الفلك

الثقوب السوداء البدائية ساعدت على تصنيع العناصر الثقيلة

 

 يحب الفلكيون أن يقدّموا الأمر كما لو كنّا منتجات ثانوية من النجوم والأفران النجميّة التي صهرت الهيدروجين والهيليوم منذ فترة طويلة لتكوّن العناصر اللازمة للحياة من خلال عملية "الاصطناع النووي" النجميّة.
قال الراحل كارل ساغان ذات مرّة: "إنّ النيتروجين في حمضنا النووي والكالسيوم في أسناننا والحديد في دمنا والكربون في فطائر التفاح، كلّ ذلك تمّ صنعه في باطن نجوم انهارت على نفسها، نحن مصنوعون من مواد نجميّة".
ولكن ماذا عن العناصر الأثقل في الجدول الدوري؟ مثل الذهب والبلاتين واليورانيوم؟
يعتقد علماء الفلك أن معظم هذه "العناصر المصنّعة" وهي عناصر أثقل بكثير من الحديد قد تم إنشاؤها إما في أعقاب انهيار النجوم الضخمة وانفجارات المستعرات العظمى المرتبطة بها، أو عن طريق دمج أنظمة النجوم النيوترونية الثنائية.
يقول "جورج فولر" وهو عالم فيزياء فلكية نظرية وأستاذ الفيزياء وموجّه مركز سان دييغو التابع لجامعة كاليفورنيا للفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء: "كانت هناك حاجة إلى نوع مختلف من الأفران لتصنيع الذهب والبلاتين واليورانيوم ومعظم العناصر الأخرى الأكثر ثقلاً من الحديد". ويضيف: " تشكلت هذه العناصر على الأرجح في بيئة غنية بالنيوترونات".
قدّم "جورج فولر" بالإضافة إلى اثنين من علماء الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة كاليفورنيا وهما "أليكس كوسينكو" و "فولوديمير تاخيستوف" في ورقة بحث نشرت في السابع من آب من عام 2017 في مجلة "رسائل المراجعات الفيزيائيّة" Physical Review Letters وسيلة أخرى يمكن أن تكون النجوم قد أَنتجت هذه العناصر الثقيلة من خلالها، حيث تقترح هذه الورقة أنّ تكون الثقوب السوداء الصغيرة التي كانت في اتصال مع النّجوم النيترونيّة ومن ثم قامت بالاستيلاء عليها ومن ثمّ تدميرها وسيلة إنتاج النجوم لهذه العناصر الثقيلة.
تُعتبر النجوم النيوترونية أصغر وأكثر النجوم المعروفة كثافة، فهي كثيفة لدرجة أنّ ملعقة واحدة من سطح هذا الكون تحتوي على كتلة تعادل ثلاثة مليارات طن.
تعتبر فرضيّة الثقوب السوداء الصغيرة أكثر تخمينيّة، ولكن العديد من علماء الفلك يعتقدون أنّ هذه العناصر يمكن أن تكون منتجاً ثانويّاً للانفجار العظيم، وأنها يمكن أن تشكل الآن جزءً من "المادة المظلمة" غير المرئيّة وغير المتفاعلة تقريباً والتي تكشف الملاحظات وجودها في الكون.
إذا اتبعت هذه الثقوب السوداء الصغيرة توزيع المادة المظلمة في الفضاء وتعايشت مع النجوم النيوترونية، فإنّ فولر وزملاؤه يؤكدون في ورقتهم أن بعض الفيزيائيّات المثيرة ستحدث.
قام الباحثون بحساب أنّ النجم النيوترون في بعض الحالات يقوم بالاستيلاء على هذا الثقب الأسود ثم يتمّ التهامه من الدّاخل إلى الخارج بواسطته. يمكن أن تؤدي هذه العملية العنيفة إلى قذف بعض مادّة النجم النيوتروني الكثيفة إلى الفضاء.
يقول فولر: "يمكن أن تقوم الثقوب السوداء الصغيرة الناتجة عن الانفجار العظيم إلى غزو النجم النيوتروني والتهامه من الداخل".
ويضيف: "تفسّر كميّة المواد المقذوفة في الملي ثانية الأخيرة من زوال النجم النيوتروني وفرة العناصر الثقيلة".
وأضاف: "عندما تُلتهم النجوم النيوترونية، فإنها تدور وتقذف مادة النيوترون الباردة الأمر الذي يزيل الضغط ويرفع من درجة الحرارة ويصنع هذه العناصر".
توفّر عملية خلق العناصر الثقيلة في الجدول الدوري أيضاً تفسيرات لعدد من الألغاز الأخرى التي لم تحل في الكون وفي مجرّتنا درب التبّانة.
يقول فولر: "نظراً لأنّ هذه الأحداث نادرة، يتيح لنا هذا تفسير سبب كون واحدة فقط من بين كلّ عشرة مجرّات قزمة تكون غنيّة بالعناصر الثقيلة". ويضيف: "يتناسب التدمير الممنهج للنجوم النيوترونية بواسطة الثقوب السوداء البدائية مع ندرة النجوم النيوترونية في مركز المجرة وفي المجرات القزمة، حيث يجب أن تكون كثافة الثقوب السوداء عالية جدا".
حسب قياسات العلماء أيضاً فإنّ مقدار قذف المادة النووية من الثقوب السوداء الصغيرة التي تلتهم النجوم النيوترونية سوف ينتج ثلاثة ظواهر أخرى غير مفسّرة كان قد تمّ ملاحظتها من قبل الفلكيين.
يقول فولر: "هناك عرض مميز لضوء الأشعة تحت الحمراء والذي يطلق عليه أحياناً كيلونوفا" وهو اشعاع راديوي قد يفسر رشقات هذه الأشعة السريعة من مصادر غير معروفة من عمق الكون، و البوزيترونات وهي الجسيمات المضادة للإلكترونات والتي تمّ الكشف عنها في مركز المجرة بواسطة ملاحظات الأشعة السينية". ويضيف: " يمثل كل واحد منها أسراراً طويلة الأمد، ومن المدهش حقاً أن تكون الإجابات عن هذه الظواهر الغير مترابطة ظاهريّاً مرتبطة بالنهاية العنيفة للنجوم النيوترونية على يد ثقوب سوداء صغيرة".

تم تمويل هذا المشروع من قبل مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية (PHY-1614864) في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومن قبل وزارة الطاقة الأمريكية (DE-SC0009937) في جامعة كاليفورنيا. كما حظي "اليكس كوسينكو" بدعم جزئي من مبادرة المركز العالمي للبحوث الدولية (WPI) في وزارة التربية والتعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا MEXT في اليابان.

 

 

المصدر

 

النشرة البريدية

الرجاء تعبئة التفاصيل ادناه لتلقي نشرتنا البريدية