تكشف الأبحاث أنّ شرق إفريقيا يمر بتحول جيولوجي دراماتيكي. إذ ينبض صهير الصخور تحت منطقة عفر في إثيوبيا، مما يضعف القشرة الأرضية. هذه العملية، التي تُحدث الزلازل والنشاط البركاني، يُتوقع أن تؤدي إلى انقسام إفريقيا إلى قسمين خلال ملايين السنين. وسيتشكل حوض محيطي جديد، ما قد يحول دولًا غير ساحلية إلى دول ساحلية.
.png)
صورة تمثيلية بتقنية الذكاء الاصطناعي
اكتشف العلماء عملية جيولوجية دراماتيكية تحت شرق إفريقيا قد تعيد تشكيل القارة خلال ملايين السنين. يكشف بحث جديد نُشر في مجلة Nature Geoscience أن نبضات من الصخور المنصهرة، وُصفت بأنها "نبض جيولوجي"، ترتفع من أعماق وشاح الأرض أسفل منطقة عفر في إثيوبيا. هذه الاندفاعات الإيقاعية من الحرارة والحمم تضعف القشرة تدريجيًا، وتُحدث الزلازل، وتغذي النشاط البركاني، وتعمل ببطء على تفكك اليابسة. وخلال 5 إلى 10 ملايين سنة، يُتوقع أن تنقسم إفريقيا إلى جزئين ويتشكل حوض محيط جديد كليًا.
التقاء ثلاثي في عفر: بؤرة نشاط الأرض
يُعد منخفض عفر في إثيوبيا أحد الأماكن القليلة على الأرض حيث تلتقي ثلاثة صدوع تكتونية: صدع البحر الأحمر، وصدع خليج عدن، والصدع الإثيوبي الرئيسي. يُعرف هذا بـ "الالتقاء الثلاثي"، وهو منطقة تتميز أصلًا بكثرة الزلازل والانفجارات البركانية. وقد أكد العلماء الآن أن القوة المحركة وراء هذا المشهد التكتوني هي عمود وشاح نشط أسفل المنطقة، يرتفع على شكل نبضات وليس تدفقًا مستمرًا.
عمود وشاح بنبض
من خلال تحليل عينات الحمم من أكثر من 130 بركانًا شابًا، اكتشف الباحثون أنماطًا كيميائية تُظهر أن الوشاح أسفل عفر لا يتدفق بشكل منتظم. بل ينبض بإيقاع يشبه ضربات القلب، ويحمل بصمات كيميائية مميزة. هذه الاندفاعات من الوشاح تتفاعل مع القشرة الرقيقة أعلاها، مما يُسرّع عملية التصدع ويمهد لتشكيل حوض محيط جديد في المستقبل.
كيف ستنقسم إفريقيا
الحركات البطيئة ولكن المستمرة تعمل تدريجيًا على سحب الصفيحة الصومالية بعيدًا عن الصفيحة النوبية الأكبر، مما يُشكل وديان صدعية عميقة. وخلال ملايين السنين، من المتوقع أن تغمر مياه البحر الأحمر وخليج عدن المنخفض، لتُنشئ في النهاية محيطًا واسعًا. وعند حدوث ذلك، يمكن أن تتحول دول مثل أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية من دول غير ساحلية إلى دول ساحلية لها منفذ إلى البحر.
الأهمية العالمية للاكتشاف
يعيد هذا البحث تشكيل فهمنا لكيفية تفاعل عمليات الوشاح العميق مع الصفائح التكتونية لتشكيل سطح الأرض. فقد أدت عمليات مشابهة في الماضي إلى نشوء المحيط الأطلسي عندما انفصلت أمريكا الجنوبية عن إفريقيا قبل مئات ملايين السنين. ويحذر العلماء من أن اندفاعات الوشاح مثل تلك في عفر يمكن أن تطلق كميات هائلة من الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، مما يؤثر على المناخ العالمي وقد يؤدي حتى إلى انقراضات جماعية في تاريخ الأرض.
ويؤكد الباحثون أن انقسام إفريقيا لن يحدث بين ليلة وضحاها بل على مدى ملايين السنين، في تذكير بقوة التحولات البطيئة لكوكبنا. وتهدف الدراسات المستقبلية إلى رسم خرائط أكثر تفصيلًا لتدفقات الوشاح أسفل الصفائح الرقيقة، مما يحسن التنبؤ بمناطق النشاط البركاني والزلازل. أما الآن، فلا يسع العلماء إلا الانبهار بإيقاعات الأرض العميقة، نبض جيولوجي قوي بما يكفي لتمزيق قارة ومنح الحياة لمحيط لم يولد بعد.