هناك الكثيرون ممن يدّعون أنهم قادرون على تفسير هذه الظاهرة . لكن ليس هناك من سبب واضح يفترض ضرورة ملاحظة هذا الأمر. فمتى دخل هذا الموضوع ضمن الخرافة العلمية الشعبية؟ القطارات والطائرات والمدافع أولا يجب أن نفهم وبشكل واضح طريقة عمل القوة المعروفة باسم كمية التحرك. (وهو موضوع ما زال قيد الدرس حتى يومنا هذا، وأرسطو نفسه لم يكن قادراً على التوصل إلى تعريف محدد له). تخيل أنك رميت طابة بليارد من نافذة قطار. فمن الطبيعي أن تظن أن القطار يندفع تاركاً الكرة تسقط، وبذلك ستقع على مسافة بعيدة من حيث تمد يدك. إلا أن هذا الكلام ليس دقيقاً. فلأن الكرة تسافر بالسرعة نفسها مع القطار فستكتسب قدرته على الحركة وتتابع التقدم إلى الأمام بشكل منحن حتى ترتطم بالأرض، على الرغم من أنها تفقد قدراً قليلاً من سرعتها بسبب مقاومة الهواء، وستجد أنها تصطدم بالأرض تحت يدك مباشرة وكأنك أوقعتها داخل عربة القطار وبشكل مشابه، ستجد أنك إذا تمددت يوماً على شاطئ البحر، وتساءلت عما سيحدث إذا وقعت حمولة طائرة ستمر من فوقك، لا فائدة هنا من الترفيه عن نفسك بالقول إن الطائرة أصبحت فوقك ولا بد أن البضائع التي سقطت منها ستهبط على بعد كيلومترات عدة منك. افترض أن الطائرة تسير بسرعة ثابتة، فإن البضائع الساقطة منها سترتطم بك، على الرغم من أن تفريغها تم قبل الوصول فوقك بعدة كيلومترات. وهذا الأمر سيحدث بغض النظر عن سرعة الطائرة أو ارتفاعها، ودون اعتبار عامل مقاومة الهواء.
المدافع والمسدسات
والآن تخيل رامي مدفعية يجلس في لندن وينوي هدم قلعة أيدنبرغ، وهي تبعد نحو 600 كيلومتر إلى الشمال. ينظر إلى خريطته ويوجه مدفعه نحو النقطة المطلوبة ويعده لتسقط القذيفة على الهدف المحدد. وتخيل مفاجأته حين يسمع الأنباء عن سقوط القذيفة دون أضرار في مكان يبعد كيلومترات عدة شرق الهدف. والسبب لما حدث أن الرامي أهمل من حسابه أن لندن مرتفعة عن المناطق المحيطة بها وتميل بزاوية معاكسة لإبدنبرغ. وعندما يتم إطلاق القذيفة التي تملك طاقة حركية فإنها تستمر بالحركة ـ مثل كرة البليارد الساقطة من القطار المتحرك - بانحراف إلى الشرق وهو اتجاه إيدنبرغ. ويتكرر الأمر إذا تم إطلاق القذيفة من لندن نحو إيدنبرغ حيث ستنحرف نحو الغرب وهو اتجاه انحراف لندن. وهنا يجب أن نوضح مبدأ عاماً، هو أن الأشياء المتحركة في نصف الكرة الشمالي ستنحرف نحو اليمين وبشكل معكوس تماماً في نصف الكرة الجنوبي. وتعرف هذه الظاهرة "بتأثير كوريوليس" تيمناً بعالم الرياضيات غاسبارد كوريوليس (1792-1843) الذي كان أول من وصفها.
ما علاقة ذلك بمغاطس المياه؟
من الصعب جداً أن نفكر بالهواء كمادة. لكنه أيضاً يخضع لقانون كوريليس. وكما هو معروف بأن الضغط ينتقل دائماً من منطقة الضغط العالي إلى منطقة الضغط المنخفض، تماماً كما يحدث عندما ينثقب إطار السيارة. والإيزوبارز (خطوط تساوي الضغط الجوي) التي تظهر على الخريطة الخاصة بالمناخ ليست إلا صلة وصل بين المناطق ذات الضغط المتساوي. وهي تشبه كثيراً الخطوط التي تحدد الخرائط العادية والتي تصل الأماكن المتساوية الارتفاع. من هنا يمكنك أن تفترض أن الهواء سيغير ضغطه بزاوية مناسبة عبر خطوط تساوي الضغط وبالطريقة نفسها دوران الأشياء. في الواقع هذا الكلام ليس صحيحاً، فالهواء يتحرك في خطوط موازية لخطوط تساوي الضغط. ولتفهم السبب، ، تخيل جيباً هوائياً بين خطي تساوي الضغط. أولاً، هناك قوة تسحبه نحو منطقة الضغط المنخفض عبر خطوط تساوي الضغط. لكن تأثير مبدأ كوريوليس يعمل أيضاً، ويسحبه نحو اليمين في القسم الشمالي من الأرض. ويقع هذان العاملان في توازن تام، فيبدأ الجيب الهوائي بالدوران عكس عقارب الساعة، بشكل إعصار، حول منطقة الضغط المنخفض. وهذا الأمر سيحدث دائماً في النصف الشمالي للكرة الأرضية. أما في النصف الجنوبي فإن الهواء يتحرك حول منطقة ذات ضغط منخفض وباتجاه عقارب الساعة، لكنه يعرف أيضاً بالإعصار. وإذا تخيلت الوضع المعكوس، ومع حركة الهواء من منطقة ذات ضغط عالي، سوف ترى سبب حركة الهواء باتجاه عقارب الساعة في النصف الشمالي وعكس عقارب الساعة في النصف الجنوبي. ويسمى ذلك حالة الإعصار المعكوس في كلا الجانبين.
وأخيراً لنوضح أمر مغاطس الماء:
بسبب هذه الظاهرة الجوية والتي اتضحت لنا الآن، بدأ الناس يبحثون عن ظواهر أصغر. ولأن الماء يذهب داخل الأنابيب بشكل حلزوني فقد أثار اهتمامهم. ولعله بحث غير مثمر. لأن تأثير مبدأ كوريوليس لا يكون فعالاً إلا في المسافات الكبيرة الموجودة على خارطة الطقس مثلا، وعادة ما تجري مياه المغاطس تحت تأثيرات عدة أخرى منها موقع صنابير المياه، ومن أي جهة من المغطس خرجت، وكمية الأوساخ المجتمعة حول المصرف، أو طريقة سحب سدادة المياه. وحتى اليوم، فشلت أدق الاختبارات لقياس أي دليل لنجاح مبدأ كوريوليس في هذا المضمار. لكن الخرافة، موجودة على الرغم من كل شيء.
المصدر :The big book of why - BBC