إن تحدّثنا عن المادّة الرماديّة (grey matter) ، فإنّه يجعل عمليّة شرح سبب ذكائنا صعبة، وكذلك التّمييز بين درجات الذّكاء والقدرات العقليّة عند سائر الحيوانات.
ليس حجم الدّماغ المُطلق ما يهمّ، فلو تساوى حجم الأدمغة كلّها لكان النّاس كالأقزام المُتقاربة بطولها مقارنةً مع الحيتان والفيلة. كذلك، لا يبدو أنّ حجم الدّماغ مقارنةً مع حجم الجسم أداة مفيدة للقياس. هناك نوع من أنواع القردة الصّغيرة، المسمّى "Marmosets" ، لا يُعدّ من أذكى أنواع القردة ولا أكثرها فطنة، على الرّغم من أنّ دماغها يُشكّل 2.7 بالمئة من كتلة جسدها، وهذا أكثر من نسبته من كتلة جسم الانسان والّتي هي 2.0 بالمئة.
وجد هاري جيريسون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إجابة لسؤالنا عام 1970، إذ اخترع نظام قياس اسمه Encephalisation Quotient أو EQ للاختصار. رأى جيريسون من نظام القياس هذا بأنّ العلاقة بين حجم الدّماغ وحجم الجسم هي ليست خطّيّة، إذ إنّ دماغ الحيوانات الصّغيرة عادةً يكون أكبر نسبيًّا. معادلة ال EQ تأخذ بعين الاعتبار حجم دماغ الحيوان مقارنةً مع الحجم المُتوقّع بحسب المجموعة ألتى ينتمي إليها.
وأخيرًا، هناك قياس يرفع النّاس للقمّة، فإنّ حجم ال EQ هو 7.0، هذا يعني أنّ الدّماغ البشريّ هو أكبر بسبع مرّات ممّا هو متوقّع من ثدييّات بحجمنا. لكنّ هذا القياس غير منطقيّ دائمًا، إن قسنا بحسبه فالقردة من نوع Rhesus ستكون أذكى من الغوريلات، ولكنّ العكس هو الصّحيح.
تدّعي سوزانا، من جامعة ريو دي جينيرو في البرازيل، أنّ المشكلة أساسها في أنّ ال EQ يعتمد على افتراض خاطئ يقول إنّه كلّما كبر الدّماغ ازدادت الأعصاب فيه. شرّحت سوزانا وزملاؤها نسيجاً من الدّماغ، واستنتجت بأنّ عند بعض الأصناف، القرود بشكل خاصّ، تكون الأعصاب في الدّماغ بنفس المساحة الواحدة.
وجدت سوزانا أيضًا بأنّه على الرّغم من أنّ للفيلة الأفريقيّة عدداً كبيراً من الأعصاب في دماغها (أكثر بثلاث مرّات من عددها عند الانسان)، إلّا أنّ ثلثها فقط في قشرة الدّماغ، حيث تكمن الوظائف المعرفيّة. ولكن المميّز في الفيلة هو أنّ المُخيخ يحوي أكبر عدد من الأعصاب والّتي تتحكّم بالحركة.
تجري سوزانا أيضاً بدراسة على الطّيور، حيث وجدت أنّ عدد الأعصاب في أدمغة الببغاوات والغربان، على الرّغم من صغر دماغها، أكبر عند عددها من بعض القرود ذات الحجم المعتدل.
عُدّت الخلايا العصبيّة عند العديد من الحيوانات، ما يوجب توفير جدول يجمعها كي يعرف الباحثون أين سيجدون حيوانات ذكيّة. كذلك، وجدت سوزانا بأنّ دماغ حيوان الرّاكون فيه خلايا عصبيّة بشكل كثيف، وتقول بأنّك كنت لتتوقع أنْ تجد هذا في دماغ القرود.
لم تجد الباحثة سوزانا ولا فريقها ما يُنافس قشرة دماغ الإنسان، لكنّها تقول بأنّ آليّة التّفكير عند الانسان لا تختلف عن تلك الّتي عند القرود، عدا أنّها أكبر. كما أنّها تقول بأنّ القردة لم تُطوّر عقولاً أكبر فقط لأنّها لم تأكل ما يكفي لتوفّر الطاقة الكافية لعضو أكبر. إنْ كانت سوزانا على حقّ، فهذا يعني أنّ عصر الطّبخ هو الّذي طوّر المسار العقليّ عند الانسان.
المصدر