
إعادة بناء مظهر حياة ذكر نياندرتال في متحف التاريخ الطبيعي في لندن.
تتحدى دراسة جديدة النظرية القائلة بأن إنسان نياندرتال نشأ بعد حدث تطوري أدى إلى فقدان جزء من تنوعه الجيني.
ظهر إنسان نياندرتال لأول مرة منذ حوالي 250,000 عام، متطورًا من مجموعات أوروبية سابقة تُعرف باسم "إنسان ما قبل نياندرتال"، والتي عاشت في جميع أنحاء أوراسيا بين 500,000 و250,000 عام. لفترة طويلة، اعتقد الباحثون أن إنسان نياندرتال لم يخضع لتغيير تطوري يُذكر. ومع ذلك، كشفت دراسات علم الوراثة القديمة الحديثة التي تحلل الحمض النووي من الأحافير عن فقدان كبير في التنوع الجيني بين إنسان نياندرتال المبكر (المعروف أيضًا باسم "إنسان نياندرتال القديم") ونظرائهم اللاحقين، المعروفين باسم "إنسان نياندرتال الكلاسيكي".
ينتج هذا الفقد الجيني، المعروف باسم "عنق الزجاجة"، عادةً عن انخفاض حاد في حجم السكان. تشير الأدلة القديمة إلى أن هذا الحدث حدث منذ حوالي 110,000 عام.
افترض العلماء على نطاق واسع أن انكماشًا سابقًا حدث في أصل سلالة إنسان نياندرتال. ونتيجةً لذلك، استندت الفرضيات السابقة إلى فكرة أن إنسان نياندرتال الأوائل كان لديه تنوع وراثي أقل من أسلافه السابقين، وذلك بسبب انخفاض سابق في أعداد السكان.
ومع ذلك، لم يتم تأكيد وجود عنق زجاجة في أصل إنسان نياندرتال حتى الآن من خلال البيانات القديمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم وجود تسلسلات جينية قديمة بما يكفي لتسجيل الحدث واللازمة لدراسات الحمض النووي القديم.
رؤى جديدة من مورفولوجيا الأذن الداخلية
في دراسة قادها أليساندرو أورشيولي (من المعهد الكاتالوني لعلم الحفريات ميغيل كروسافونت، جامعة برشلونة المستقلة) ومرسيدس كوندي-فالفيردي (من كاتيدرا دي أوتواكوستيكا إيفولوتيفا دي إتش إم هوسبيتاليس وجامعة ألكالا)، قام الباحثون بقياس التنوع المورفولوجي في بنية الأذن الداخلية المسؤولة عن إحساسنا بالتوازن: القنوات نصف الدائرية. ومن المتفق عليه على نطاق واسع أن النتائج التي تم الحصول عليها من دراسة التنوع المورفولوجي للقنوات نصف الدائرية مماثلة لتلك التي تم الحصول عليها من خلال مقارنات الحمض النووي.
ركزت الدراسة على مجموعتين استثنائيتين من الحفريات البشرية: إحداهما من موقع سيما دي لوس هويسوس في أتابويركا (بورغوس، إسبانيا)، يعود تاريخها إلى 430,000 عام، وهي تُشكل أكبر عينة من إنسان ما قبل نياندرتال متاحة في السجل الأحفوري؛ وأخرى من موقع كرابينا الكرواتي، تمثل المجموعة الأكثر اكتمالاً من إنسان نياندرتال المبكر ويرجع تاريخها إلى ما يقرب من 130.000-120.000 سنة.
.png)
عمل فني حول التمثيل التخطيطي لتوزيع التنوع المورفولوجي للأذن الداخلية على مر الزمن في إنسان نياندرتال.
قام الباحثون بحساب مقدار التنوع المورفولوجي (أي التباين) للقنوات نصف الدائرية لكلا العينتين، وقارنوها مع بعضها البعض ومع عينة من إنسان نياندرتال الكلاسيكي من مختلف الأعمار والأصول الجغرافية.
النتائج الرئيسية: تأكيد الافتراضات السابقة ودحضها
تكشف نتائج الدراسة أن التنوع المورفولوجي للقنوات نصف الدائرية لإنسان نياندرتال الكلاسيكي أقل بشكل واضح من نظيره لدى ما قبل نياندرتال وأوائل نياندرتال، وهو ما يتوافق مع نتائج علم الحفريات القديمة السابقة.
أكدت مرسيدس كوندي-فالفيردي، المؤلفة المشاركة في الدراسة، على أهمية العينة المُحللة قائلةً: "من خلال تضمين أحافير من نطاق جغرافي وزمني واسع، تمكنا من رسم صورة شاملة لتطور إنسان نياندرتال. إن الانخفاض في التنوع الملحوظ بين عينة كرابينا وإنسان نياندرتال الكلاسيكي مذهل وواضح بشكل خاص، مما يوفر دليلاً قوياً على حدوث اختناق".
من ناحية أخرى، تتحدى النتائج الفكرة السائدة سابقاً بأن أصل إنسان نياندرتال كان مرتبطاً بفقدان كبير في التنوع الجيني، مما دفع إلى اقتراح تفسيرات جديدة لأصله. علق أليساندرو أورشيولي، المؤلف الرئيسي للدراسة، قائلاً: "لقد فوجئنا باكتشاف أن إنسان ما قبل نياندرتال من سيما دي لوس هويسوس أظهر مستوى من التنوع المورفولوجي مماثلًا لإنسان نياندرتال الأوائل من كرابينا". وأضاف الباحث: "هذا يتحدى الافتراض الشائع بوجود حدث اختناق في أصل سلالة إنسان نياندرتال".
المصدر: