لا شيء قد جذب خيال الإنسان كالذهب. فالمصريون مثلاً كانوا يعتقدون بأبديّة هذا المعدن الأصفر اللامع لأنّه تجسيد ماديّ للشمس بحد ذاتها حيث أطلق عليه المصريون القدماء اسم "نوب"، نسبة إلى أراضي النوبة (منطقة في الشمال الأقصى من إفريقيا) والتي أصبحت المزوّد الأساسي لهذا المعدن الثمين. أمّا الآزتك (جماعة من الهنود الحمر الذين عاشوا في المكسيك وعمروا حضارتهم هناك قبل أن تحتلّ اسبانيا أراضيهم) فقد أطلقوا على هذا المعدن اسم Teocuitlatl والتي تعني "مفرزات الآلهة". كما ويُرمز للذهب في الجدول الدوري بالرمز (Au) المأخوذ من الكلمة اللاتينية Aurum والتي تعني "الفجر المشرق". في المحصّلة، مهما اختلفت التسميات فإنّ الذهب فلطالما امتزج اسمه في كلّ الحضارات بمعاني البذخ والقوّة.
شكّل الذهب الوقود الذي لطالما زوّد أطماع الاستعمار الاسباني بالأمريكيتين، فقد نجم عن ذلك الاندفاع الشديد للبحث عن الذهب في كلّ من كاليفورنيا وأستراليا إلى عطش كبير لهذا المعدن والذي لم يُسدّ ظمأه حتّى الآن.
هوس البحث عن الذهب وبشكل مستمرّ من حفر وتنقيب يجعلك تظن بأنّ هنالك كميّة كافية من الذهب لتعبيد كلّ طريق في أستراليا بهذا المعدن الذهبي، لكن الأمر ليس كما يبدو. ففي كلّ مراحل التاريخ لم يتمّ العثور سوى على 161 ألف طن من الذهب والذي يساوي (146,057 طن متري)، مقارنة ب 5.6 مليون طنّ (5.1 مليون طن متري) من الألمنيوم المنتج بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية في سنة واحدة.
إنّ ندرة الذهب هي سبب واحد فقط من الأسباب التي تعطيه قيمته الثمينة، فهنالك أيضاً خصائصه الفيزيائية والكيميائية التي تجعل منه معدناً مميّزاً مقارنة بغيره من المعادن. مثلاً، يمكن طرق أونصة واحدة من الذهب حتى تتحول لصفيحة بسمك خمسة ملايين من الانش الواحد أو تمدّ لطول 50 ميل (ما يساوي ال 80 كيلومتر) من الأسلاك، كما ويعدّ الذهب معدناً خاملاً كيميائيّاً مما يجعله لا يتفاعل بسهولة مع المواد الكيماوية الأخرى.
لكن بالطبع وكما قال شكسبير: "ليس كلّ ما يلمع ذهباً"، فإنّ خاتم الزواج الذي يلمع في يد العروس له جانبه المعتم أيضاً. أسباب ذلك كثيرة ومنها الضرر الذي يسببه للبيئة، حيث إنّ النفايات التي تنتج عن صناعة أونصة واحدة منه تفوق ما ينتج عن نفس الكميّة من المعادن الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التنقيب عن هذا المعدن يعرّض حياة الكثير من العاملين في هذا المجال خاصّة أصحاب الأجور المنخفضة للخطر، حيث يقتل العديد من هؤولاء العاملين سنويّاً بسبب الانهيارات الصخريّة أوّ الإنفجارات، ويدفن مئات منهم تحت سطح الأرض.
إنّ فهم كلّ هذه القضايا هو أمر مهم لفهم الكثير من الحقائق عن هذا المعدن. في الصفحات القادمة سوف ندرس المكوّن ال 79 من الجدول الدوري ونحاول بعد ذلك أن نفهم سبب ارتباطه بالثروة في مخيّلاتنا. لنبدأ أوّلاً بدراسة تاريخ هذا المعدن الطويل ونذهب بعدها في رحلة تأخذنا منذ بداية اهتمام الحضارات بالذهب حتّى الهوس الكبير في البحث عنه في أواخر القرن التاسع عشر.
المصدر