تكشف شظايا الحديد المغطى والمحاطة بغازات معيّنة والمحصورة داخل حبّات الماس الكبيرة أنّ هذه الأحجار الكريمة والثمينة قد تشكلت داخل معدن سائل، كما ويؤكد هذا الاكتشاف وجود ظروف معدنية مشبعة في عمق الأرض. تظهر هذه الدراسة الجديدة في تقارير العدد الصادر في السادس عشر من كانون الأول من مجلّة "علم" Science . يمكن اعتبار وجود آثار للمعادن داخل الماس عيباً غير مرحّب به بالنّسبة لصائغ المجوهرات، إلّا أنّها توفّر معلومات قيمة للعلماء عن طبيعة العمليات الجيولوجية الحاصلة في الماضي. يوضّح "ايفان سميث" من المعهد الأمريكي للأحجار الكريمة Gemological Institute of America ذلك من خلال قوله: "تعطينا هذه الشوائب لمحة عن البيئة التي نما فيها الماس".
ويضيف سميث: "لا يطلعنا هذا على كيفية ومكان ووقت تشكّل الماس فحسب، فهو أيضاً يخبرنا عن المزيد من السمات العامة للصخور الموجودة في منطقة وشاح Mantle الأرض"، وهو الطبقة الموجودة بين قشرة الأرض ونواتها، حيث يتواجد أغلب الماس على طول المنطقة العليا من هذا المستوى. تشكّلت الماسات الأكبر والأكثر ندرة من الماسات اللاتي تمّ تناولها في هذه الدراسة ، والتي يبلغ طولها حوالي سنتيمتراً واحد أو أكثر، في أعمق منطقة داخل الوشاح، وهو ما قدّم للعلماء فهماً أفضل لهذه المنطقة. يُعتبر الحصول على الماس للأغراض العلمية تحدياً بحدّ ذاته.
يُعتبر الماس الكبير ذو الشوائب المعدنية نادراً في العادة، وعادة ما يتمّ تشذيب أو صقل هذه الشوائب لرفع قيمة هذه الأحجار. قام سميث وزملاؤه بفحص الآلاف من قطع الماس التي يتم تقديمها يومياً لعمليات التصنيف في المعهد الأمريكي للأحجار الكريمة بحثاً عن عينات ماسيّة بالحجم المناسب ومع شوائب يمكن الكشف عنها.
يختلف حجم قطع الماس من قطعة لأخرى، فغالباً ما يكون أكبر من 10 ملم، إلّا أنّ بعضها يصل إلى 98 مليمتراً، كماسة "كولينان" الملقّبة بأكبر ماسة في العالم والتي تمّ اكتشافها في جنوب أفريقيا عام 1905 واستخدمت لصنع بعض جواهر التاج البريطاني. يقول سميث: " كانت الشوائب المعدنية هي الشوائب الوحيدة الموجودة في 38 ماسة من بين 53 ماسة تمّ تحليلها. تُعتبر هذه الشوائب خليط معدني من الحديد والنيكل مع الكربون والكبريت وبعض الشوائب الإضافية مثل الهيدروجين. لم يتمّ التعرّف على هذه الشوائب والتي تقدّم عيّنات من المعادن الموجودة عميقاً في وشاح الأرض من قبل.
إن تأكيد وجود الحديد المعدني على بعد 250 كيلومتراً داخل الوشاح مهمّ لفهم العمليات الجيوكيميائية في هذه الطبقة العميقة من الأرض، حيث يمكن للحديد المعدني أن يتفاعل كيميائيا مع الأكسجين ويحد من توافره. يوضّح سميث هذا الأمر بقوله: "يمكن أن تحل هذه الشوائب الكربون والكبريت وغيرها من العناصر كالهيدروجين بسهولة، وهو أمر مهم للغاية لدورة هذه المواد وتخزينها على طول التاريخ الجيولوجي". تُفسّر طبيعة هذه الشوائب الموجودة في هذه الماسات الكبيرة سبب كون البحث عن الماس وتعدينه يكشف أنواع شائعة من الماس بدلاً من الكشف عن الماس النادر.
اعتمد الجيولوجيون في كثير من الأحيان على مرّ التاريخ على "المعادن المؤشرة" Indicator Minerals وهي الحبوب المعدنية التي ترتبط مع وجود الماس من أجل العثور على رواسب الماس. لا ترتبط المعادن المؤشّرة مع ذلك مع وجود هذه الماسات الكبيرة والقيّمة بالضرورة، فيبدو أن هذه الأحجار الكريمة الكبيرة تتشكّل في جزء مختلف تماماً من الوشاح بخلاف الماس الشائع استنادا إلى التحليل الأخير.
سيواصل سميث وزملاؤه عمليّة تحليل الماسات الكبيرة مما قد يكشف عن الكثير من المعلومات. يخطط سميث وزملاؤه لاكتشاف آثار أخرى للعناصر الموجودة في الشوائب، كما أنّهم يخططون لقياس "التركيب النظائري" Isotopic Composition لبعض العناصر، الأمر الذي من الممكن أن يكشف عن كيفيّة تشكّل المعادن وتفاعلها مع الصخور في الوشاح.
يمكن أن يوفر هذا معلومات قيّمة عن دورة الكربون والنيتروجين والماء في عمق الأرض. يقول سميث: "من المدهش أن الماس وهو الأكثر قيمة وحجماً من بين جميع الأحجار الكريمة يُعتبر مصادفة من أكثر العينات قيمة من النّاحية العلميّة، فلا يمكنك الحصول على وسيلة أفضل من الماس لحفظ المواد الموجودة في باطن الأرض". يضيف سميث: "تمتلك كلّ ماسة القدرة على استضافة عينات فيزيائيّة حقيقية من مكان لا نستطيع الذهاب ومنذ فترة زمنيّة طويلة".
المصدر