لأنّ روّاد الفضاء كأولئك الموجودين في محطّة الفضاء الدوليّة يتحرّكون بسرعة، فهم يشيخون بشكل أبطأ منّا. حسب المبدأ الفيزيائي والذي يعرف ب "تمدد الزمن"، فبعد قضاء مدّة ستة أشهر من العمل في محطّة الفضاء، يكون روّاد الفضاء أولئك أصغر بقليل منّا. لكن قبل أن تفكّر بمغادرة هذا الكوكب حرفيّاً لأجل ذلك، يجب أن ندرك بأنّ ذلك ليس مصدراً للشباب الدّائم أو إكسيراً للحياة، في إمضائك ستّة أشهر محاولاً أن تبدو أصغر حسب هذا المبدأ، لن تجعلك أصغر سوى ب (0.007) من الثانية تبعاً لحسابات أحد روّاد الفضاء العاملين هناك.
لكن ذلك ليس الموضوع الذي سوف نركّز عليه. بداية، لنقدّم عرض سريع عن تأثيرات التقدّم بالعمر بالوضع الطبيعي على سطح الأرض، ففي أثناء بحث العلماء عن طريقة تجعلنا خالدين، نحن نمرّ بالفعل وخلال هذا الوقت بتأثيرات هذه العمليّة. إنّ عمليّة التقدّم بالسنّ تتضمّن العديد من التغييرات التي يمرّ بها جسم الإنسان حيث تصبح العظام أكثر هشاشة، وتصبح الأوعية الدموية أكثر صلابة، وتقلّ الكتلة العضليّة في أجسامنا، وتتصلّب المفاصل، وتصبح الأمعاء سريعة التهيّج،و لا نعود نتحكّم بالمثانة كما يجب، وتضعف الأسنان، والنظر، ويتجعّد الجلد والكثير الكثير.
وفي حين يتطلّب الأمر عقوداً من الزمن ليبدأ الإنسان بالشعور بهذه الأعراض، فإنّ روّاد الفضاء يختبرون هذه الأعراض بشكل عكسي أثناء تواجدهم في الفضاء، وعند العودة إلى الأرض، تتخلّص أجسادهم من هذه الأعراض، لكن في بعض الأحيان، تكون دائمة.
إنّ نقص الجاذبية هو المسبب الرئيسي لهذه التغيرات المكثفة، فالجاذبية هي من أكبر القوى على الأرض، وتلعب دوراً هائلاً في كلّ نظم الجسد البشري. فالعضلات على سبيل المثال تتقلّص عند الأشخاص الأكبر سنّاً وتضمر بسبب قلّة الحركة. تمرّ عضلات روّاد الفضاء في نفس الظروف التي يمرّ بها كبار السنّ حيث لا يستخدمونها أثناء تواجدهم في الفضاء، لهذا، فهم عادة ما يستخدمون آلات معيّنة للتقليل من هذه الآثار عند اضطرارهم لقضاء أوقات طويلة هناك.
إنّ ما يحدث في العظام هو عمليّة مشابهة لذلك، فبعد عمر معيّن يبدأ النّاس على سطح الأرض بخسارة كتلة العظام بنسبة %1-2 سنويّا تقريباً، لكن في الفضاء، يخسر الجسم البشري كتلته العظميّة بشكل أسرع وبطريقة متزايدة، فهو يخسر نفس النسبة السنوية التي يخسرها على الأرض خلال شهر واحد فقط. يحدث ذلك لأنّ الهيكل العظمي لا يعود يُستَخدم لدعم الوزن، فتقوم العظام بتقليل إنتاج مادة عظمية جديدة وتزيد بالمقابل من نسبة امتصاص المادّة العظمية القديمة. لحسن الحظّ، غالباً ما يسترجع روّاد الفضاء عمل نظام الجهاز العظمي بشكل طبيعي بمجرّد وقوفه على الأرض الصلبة.
لذلك، وبالرّغم من أنّهم يحافظون على (0.007) من الثانية من أعمارهم، إلّا أنّ روّاد الفضاء لا زالوا يعانون من آثار التقدّم بالعمر. لا زال الباحثون يعملون لإيجاد آليات تمكّنهم من معرفة سبب حدوث هذه التغييرات، وأيضاً لمعرفة الآليات لمنع حدوث هكذا تغييرات، هذه المعلومات لن تساعد فقط على تحسين نوعيّة رحلات الفضاء وتأثيرها على الجسد البشري، لكنّها ستساعدنا كذلك على تحسين الحياة على سطح الأرض.
المصدر