
الإرهاق هو أحد الشكاوى الأكثر شيوعًا في العصر الحديث، حيث يُبلغ واحد من كل خمسة بالغين أصحاء عن شعور دائم بالتعب. لكن المفاجأة أن العلم لم يهتم حتى وقت قريب بسؤال "ما معنى أن يكون لدينا طاقة؟". أبحاث جديدة حول الاستشعار الداخلي—قدرة الجسم على إدراك حالته الداخلية—تكشف أن التعب لا يرتبط فقط بنقص السعرات الحرارية، بل هو نتيجة حوار معقد بين الدماغ والجسم حول مدى توفر الطاقة.
تشير الأبحاث إلى أن الحيوية الذاتية تعتمد على تقدير الدماغ لكمية الطاقة المتاحة على المستوى الخلوي. هذا التقدير يتأثر بالتوتر، والحالة الجسدية، والتوقعات الذهنية، وغيرها. وقد تبيّن أن الميتوكوندريا (مصانع الطاقة داخل الخلايا) تلعب دورًا محوريًا. حين تعمل بشكل غير فعال—حتى بدون مرض—نشعر بالتعب. والأدهى أن فرط الوقود، وخاصة السكريات، يعيق عمل الميتوكوندريا ويجعلها تخزن الطاقة بدلاً من إنتاجها، مما يؤدي إلى شعور بالخمول. تشير الأدلة إلى أن الحمية الكيتونية قد تساعد في عكس هذا التأثير.
الإجهاد يستهلك الطاقة ويشوّش توقعات الدماغ. كما أن الدعم الاجتماعي يُحسّن من الوصول للطاقة المتاحة، إذ يتصرف الدماغ بثقة أكبر بوجود دعم خارجي. يعمل الدماغ كـ "مدير ميزانية جسدية"، ويُصدر مشاعر—ومنها التعب—عندما لا تتطابق التوقعات مع الواقع.
من أبرز المؤشرات الحيوية التي تُشير إلى ضائقة في الطاقة هو GDF15، الذي يرتفع مع التوتر والتقدم في السن، ويبدو أنه يُخبر الدماغ بضرورة الحفاظ على الطاقة. كذلك، الالتهاب المزمن مرتبط بانخفاض الحيوية وتسارع الشيخوخة. جهاز جديد يُسمى Eforto، يقيس قوة قبضة اليد وقدرتها على التحمل، ويجمع بين هذا القياس واستبيان طاقة الشخص للحصول على مؤشر دقيق لمستوى طاقته الجسدية والنفسية.
تشير أبحاث إلى أن الشيخوخة مرتبطة بإعادة توزيع الطاقة، وقد لوحظ أن بعض الشيب في الشعر يختفي بعد زوال التوتر، مما يشير إلى إمكانية تعديل مسار الشيخوخة. كما يتيح هذا الفهم الجديد للتعب تفسيرات أعمق لمتلازمة التعب المزمن (CFS)، التي قد تعود لأسباب مثل الالتهاب، ضعف تدفق الدم، أو اضطرابات في معالجة الإشارات داخل جذع الدماغ.
استراتيجيات عملية لاستعادة الطاقة تشمل:
• راحة عميقة (مثل التأمل)، لتقليل إشارات الإنذار في الدماغ.
• نظام غذائي متوازن وتجنب السكريات.
• نشاط بدني قصير المدى لتحفيز كفاءة الميتوكوندريا.
• تفاعل اجتماعي إيجابي، الذي يعزز من تقدير الجسم للطاقة المتاحة.
في النهاية، الطاقة ليست مجرد وقود جسدي، بل تقدير ديناميكي بين الدماغ والجسم يتأثر بعوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية.