يفضِّل البعض تناول اللحوم غير المطهوّة جيّداً، والبعض يفضّلها عكس ذلك، لكنّ يفضّلها البعض مطهوّة بشكل مبالغ فيه. إذا كنت من النوع الأخير وتحبّ تناول شرائح اللحم بطبقة مقرمشة وسميكة، فمن المحتمل أنّك قد سمعت تحذيرات من أصدقائك بأنّ هذه العادة تسبب مرض السرطان. حسب العديد من الدّراسات، فإنّ هذا الادعاء له أساس من الصحّة، حيث إنّ تناولك هذا النوع من الطعام بصورة متكررة قد يزيد من احتماليّة تعرّضك لمرض السرطان، ففي دراسة لجامعة منيسوتا والتي تتبّعت العادات الغذائيّة لأكثر من 62 ألف شخص على مدار تسعة أعوام، تبيّن أنّ هناك زيادة بنسبة أكثر من %60 في حالات سرطان البنكرياس بين أفراد عيّنة الدراسة الذين تناولوا هذا النوع من الطعام بشكل متكرر.
هناك نوعان من المواد المسببة للسرطان لها علاقة باللحوم المحترقة: أوّلاً، الأمينات غير المتجانسة (HCAs)، والتي تظهر حين تُطهى لحوم العضل من البقر و الخنزير والسمك والدواجن على درجة حرارة عالية. يحدث ذلك لأنّ كرياتين اللحوم وهو المادة التي يستخدمها الجسم لتخزين الطاقة يتفاعل على درجات الحرارة العالية مع الأحماض الأمينيّة والسكّر وينتج عن هذه العمليّة الأمينات غير المتجانسة والتي بإمكانها تغيير الحمض النووي (DNA)، وبالتالي تزيد هذه العمليّة من احتماليّة الإصابة بالسرطان عند بعض الأشخاص. ثانياً، الهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات(PAHs) ، حيث إنّ العديد من هذه المركّبات هي مركّبات مسرطنة تتشكّل عند تساقط دهون اللحوم فيسبب الاشتعال والدّخان، بمعنى آخر، تَنتُج هذه المركّبات من احتراق غير كامل للوقود المحتوي على كربون مثل الفحم والشحوم في هذه الحالة.
الجدير بالذكر أنّه في حين هناك ترابط واضح ما بين السرطان واللحوم المحترقة، فإنّ العلماء ليسوا متأكدين تماماً كم هو مقدار الكميّة التي تعتبر مضرّة بصحّة الإنسان. فإذا كانت الأمينات غير المتجانسة و الهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات تعمل على تغيير تركيب الحمض النووي أثناء عمليّة الأيض مع بعض الإنزيمات داخل أجسامنا، فإنّ أجسامنا تحتوي على مستويات مختلفة من هذه الإنزيمات ولا تحدث كلّ العمليّات بصورة متشابهة داخل جسم كلّ إنسان، لذلك، فإنّه ليس هناك إجابة واضحة. من الملاحظ أيضاً أن الكثير من الدراسات المتعلّقة بهذا الموضوع أجريت على فئران التجارب والتي تمّ حقنها بشكل مباشر بكميات كبيرة من هذه المسببات السرطانيّة والتي تصل لآلاف المرّات من التي يحصل عليها جسم الإنسان من وجبات اللحوم المحترقة التي يتناولها عادة، لذلك فإن المقاربة قد تكون ضعيفة. هذا هو السبب بأنّ إدارة الغذاء والدواء التّابعة للولايات المتحدة الأمريكيّة (FDA) لا تصدر تحذيرات حقيقيّة بخصوص هذه الأطعمة، مع ذلك، فهي تنصح بشكل عام بأن نقلل من تناولها.
قد تتبادر كلمة "شواء" إلى أذهاننا حين نذكر الطعام المحترق، لكنّ مسببات السرطان سابقة الذكر قد تكون عامل من عوامل السرطان عند التدخين، التحميص، الشواء على درجات حرارة مرتفعة، أو حتّى التحمير باستخدام المقلاة. لحسن الحظّ، بإمكانك التقليل من مسببات السرطان الناتجة عن تعريض اللحوم لدرجات الحرارة المرتفعة عن طريق إتباع الخطوات التالية:
- اتبع دائماً أسلوب الشواء البطيء ودرجة حرارة منخفضة، فبدلاً من وضع اللحوم مباشرة فوق اللهب، استخدم وسيلة شواء غير مباشرة.
- استمرّ بتقليب اللحوم بصورة متكرّرة.
- لسبب غير معروف حتّى الآن، قد يساعدك استخدام بعض الخلطات كخليط الجعة أو النبيذ الأحمر التي يتمّ وضعها على لحم البقر وتتركها لبضعة ساعات في الثلاّجة، أمّا بالنّسبة للدّجاج فيمكنك استخدام خليط زيت الزيتون مع عصير الليمون والثوم.
لكن ماذا بخصوص الخضروات؟ هل بإمكانك الاستمرار بالتمتّع بمذاق قشرة الكوسا المشويّة؟ نعم، لكن هناك مخاطرة للتعرّض للبنزوبيرين "benzopyrenes" وهو مركّب كيميائي مسرطن من الهيدروكربونات الأروماتية متعددة الحلقات و الموجود أيضاً في السجائر. حتّى الآن، لا يوجد الكثير من الدراسات التي تتناول وجود رابط ما بين السرطان وهذا المرّكب عند تناول الخضراوات المحترقة، لذلك، يبدو أنّ تناولها يشكّل خطر أقلّ من خطر تناول اللحوم المحترقة. في النهاية، بإمكانك تناول تلك الخضروات محترقة للدرجة التي تحبّها، لكن لا تلقِ اللوم علينا لأنّنا أعطيناك الإذن بذلك.
المصدر