في بحث فريد من نوعه، الباحثون يحفّزون الأجسام المضادة المحايدة واسعة النطاق ضد العوز المناعي في أحد الحيوانات.
البقرة المدهشة: سمة خاصة من الأجسام المضادة البقريّة قد تكون المفتاح لمعرفة سبب كون الأبقار قادرة على توليد الأجسام المضادة المحايدة واسعة النطاق ضد فيروس نقص المناعة البشرية في دراسة جديدة.
شهدنا مؤخراً ظهور بطل غير متوقّع أثناء سعينا لمكافحة "فيروس العوز المناعي البشري" HIV، ألا وهو البقر. يقول الباحثون أنّ هناك أربع بقرات أظهرن قدرة سريعة على إنتاج مضادات حيويّة تجاه ذلك الفيروس عند حقنهنّ بأحد أنواع بروتين "فيروس العوز المناعي البشري". يضيف الباحثون بأنّ هذا الاكتشاف يشكّل سابقة في جميع الحيوانات ومن ضمنها البشر. قد يكون تعلم كيفية تحفيز أجسام مضادة مماثلة لدى البشر مفتاحاً للتوصّل إلى لقاح ناجح لفيروس العوز المناعي البشري.
تستطيع الأجسام المضادة والتي يُطلق عليها "الأجسام المضادة المحايدة" neutralizing antibodies إيقاف العدوى الناتجة عن مجموعة متنوعة من أنواع فيروس العوز المناعي البشري عن طريق تحييد أيّ تأثير بيولوجي له. يقول الباحثون في دراسة نُشرت على الانترنت في العشرين من تمّوز عام 2017 في دوريّة "طبيعة" Nature أنّ الأبقار أنتجت هذه الأجسام المضادة بعد 42 يوماً فقط من عمليّة "التلقيح" immunization، في حين يمكن أن يستغرق تكوين هذه الأجسام المضادّة في نسبة صغيرة من الناس عدة سنوات بعد إصابتهم بالفيروس.
يقول عالم المناعة "جستن بيلي" من مدرسة طب جامعة جونز هوبكنز، والذي لم يشارك في هذه الدراسة، أنّ هذا العمل يحدد "طريقة جديدة وفعّالة لتوليد أجسام مضادة نشطة على نطاق واسع ضد فيروس العوز المناعي البشري ".
لطالما تمّ اعتبار إنتاج لقاح لفيروس العوز المناعي البشري صعباً لأن هذا الفيروس يتغير طوال الوقت. توجد سلالات مختلفة من هذا الفيروس في جميع أنحاء العالم، كما ويتحول الفيروس حتى داخل جسم الشخص المصاب نفسه. تقوم بعض الأجسام بتطوير الأجسام المضادة لسلالة واحدة من هذا الفيروس ولكنّها غير فعالة ضد السلالات الأخرى. لم تُنتج لقاحات فيروس العوز المناعي البشريّة التي تم اختبارها حتى الآن أجساماً المضادة محايدة على نطاق واسع.
يُنتج حوالي %1 من المصابين بفيروس العوز المناعي البشري أجساماً مضادة محايدة واسعة النطاق وفعالة ضد العديد من أنواع هذا الفيروس، ولا يُسهم تطوير هذه الأجسام المضادة في مساعدة المصابين على أيّة حال.
تمنع هذه الأجسام المضادّة العدوى عندما تعطى للقردة قبل التعرض لفيروس مماثل لفيروس العوز المناعي البشريّ.
تمتلك الأجسام المضادة المحايدة الخاصّة بفيروس العوز المناعي البشري بعض الصفات الغريبة كوجود امتداد طويل من الأحماض الأمينية البارزة من سطح الأجسام المضادة. يرتبط هذا الجزء البارز من الأجسام المضادة بالموقع الفيروسي المتشابه بين السلالات لأن الفيروس يحتاج إليه للدخول إلى الخلية. يجعل الغطاء السكّري لهذا الفيروس من الصعب الوصول إلى موقع الربط الفيروسي. يقول "فون سميدر" وهو أخصائي المناعة الجزيئية في معهد سكريبس للأبحاث في لاهويا في كاليفورنيا بأنّ الامتداد الأطول من الأحماض الأمينية يسهّل عمليّة الاختراق "والوصول، حيث لن يتمكّن من الإفلات منه".
يقول سميدر بأنّ المصابين بفيروس العوز المناعي البشري والذين يقومون بتطوير أجسام مضادة محايدة واسعة النطاق يمتلكون منطقة تُدعى ب "منطقة تحديد السلسلة التكاملية الثقيلة 3" heavy chain complementarity-determining region 3 HCDR3 تحتوي على حوالي 30 حمض أميني يبلغ طولها حوالي ضعف طول الأجسام المضادة البشرية المعتادة. يضيف سميدر: "تُعتبر هذه الأحماض الأمينيّة قصيرة بالنّسبة للبقر على الرغم من كونها طويلة بالنّسبة للإنسان".
من هنا جاءت فكرة تلقيح الأبقار. يوضّح سميدر ذلك بقوله بأنّ الأبقار قد تمتلك ردّة الفعل هذه تجاه فيروس العوز المناعي البشري كونها تمتلك مناطق HCDR3s أطول.
أخذ سميدر وزملاؤه مصل الدمّ الذي تمّت إزالة الخلايا منه تاركين الأجسام المضادّة من أربعة أبقار ملقّحة وقاموا باختباره ضد أنواع مختلفة من فيروس العوز المناعي البشري في أنبوب الاختبار. طوّرت جميع الأبقار أجساماً مضادة محايدة واسعة النطاق. اختبر الباحثون بعد ذلك
الأجسام المضادة لبقرة واحدة على عدد أكبر من أنواع الفيروسات. منعت الأجسام المضادة هذه %96 من 117 نوعاً من فيروس العوز المناعي البشري من الخلايا المصابة في طبق المختبر بعد 381 يوماً. عزل الباحثون أيضاً جسماً مضادّاً من بقرة تمتلك منطقة HCDR3 طويلة ومكوّنة من 60 حمض أميني مما أوقف العدوى بنسبة %72 من أنواع فيروس العوز المناعي البشري.
يقول سميدر أنّه إذا تمكّن الباحثون من تحفيز الأجسام المضادة مع مناطق HCDR3s طويلة في البشر، "فهذا يمكن أن يكون أساساً للحصول على لقاح فعّال". يضيف سميدر: "تحتاج إلى القيام بخطوة تسبق التلقيح للمساعدة على زيادة الأجسام المضادة النادرة"، وبما أن الأبقار جيدة جدا في صنع الأجسام المضادة المحايدة واسعة النطاق، فإنه قد يكون من الممكن أيضا تحويل الأجسام المضادّة البقريّة إلى أدوية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية إذا أثبتت الأجسام المضادة البقريّة فعاليّتها في وقف الفيروس في حيوانات أخرى.
المصدر