ثمانية أيّام!
هذه هي المدة التي تستغرقها خلايا الجلد لإعادة برمجة خلايا الدم الحمراء، فقد حدّد باحثون في جامعة لوند في السويد وزملائهم في مركز الطب التجديدي في برشلونة المفاتيح الجينية الأربعة التي تقوم بفكّ الشيفرة الوراثية للخلايا الجلديّة وتعيد برمجتها للبدء في إنتاج خلايا الدم الحمراء بدلاً من ذلك.
يقول "يوهان فليجار" وهو مدير مجموعة البحث والمسئول عن الدراسة: "لقد أجرينا هذه التجربة على الفئران، و تشير النتائج الأولية إلى أنه من الممكن أيضاً إعادة برمجة خلايا الجلد البشريّة إلى خلايا دم حمراء. تُعتبر شخصنة الخلايا الحمراء لاستخدامها في نقل الدم واحدة من التطبيقات الممكنة لهذه التقنية، ولكن هذا الأمر يحتاج للكثير من الوقت قبل أن يُصبح حقيقة سريرية ".
يمتلك كلّ فرد شيفرة وراثية فريدة من نوعها، وهي عبارة عن دليل توجيهي كامل يصف بالضبط كيفيّة تشكّل جميع الخلايا في الجسم. يتم تخزين هذا الدليل التوجيهي على شكل تسلسل حمض نووي معيّن في نواة الخلية. تمتلك جميع الخلايا البشرية كالدماغ والعضلات والدهون والعظام وخلايا الجلد الشيفرة نفسها، لكن ما يميّز هذه الخلايا هو الفصل الذي تستطيع قراءته من دليل الخلايا. أرادت مجموعة البحث في جامعة لوند معرفة كيفيّة "فتح" هذه الخلايا لذلك الفصل الذي يحتوي على تعليمات حول كيفية إنتاج خلايا الدم الحمراء بالتحديد، فخلايا الجلد التي استندت إليها الدراسة تستطيع الوصول إلى الدليل التوجيهي، ولكن كيف استطاع الباحثون حمل هذه الخلايا على فتح الفصل الذي يتعلّق بخلايا الدم الحمراء؟
أدخل الباحثون بمساعدة "الفيروس القهقري" retrovirus مجموعات مختلفة من أكثر من 60 جين في الجينوم "المحتوى الوراثي" في الخلايا الجلديّة إلى أن نجحوا في إحدى المرّات في تحويل خلايا الجلد إلى خلايا دم حمراء، وُنشرت الدراسة في مجلة "تقارير الخلية" العلميّة Cell Reports.
تقول "ساندرا كابيليرا" وهي طالبة دكتوراة والمؤلفة الرئيسيّة للدراسة: "تُعتبر هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها أي شخص في تحويل خلايا الجلد إلى خلايا دم حمراء، وهي تجربة مثيرة للغاية".
تُبين الدراسة أنّ هنالك أربع جينات فقط من أصل 20000 جين تُعتبر ضرورية لإعادة برمجة خلايا الجلد للبدء في إنتاج خلايا الدم الحمراء، كما أنّه يجب أن تكون كل الجينات الأربعة متواجدة معاً من أجل نجاح هذه العمليّة.
تقول ساندرا: "يشبه الأمر قيامك بفتح صندوق كنز يحب أن تستخدم أربعة مفاتيح منفصلة في وقت واحد من أجل فتحه".
يُعتبر هذا الاكتشاف كبيراً من عدة جوانب، فهو يساعدنا من وجهة نظر بيولوجية في فهم كيفية إنتاج خلايا الدم الحمراء والتعليمات الوراثية التي تحتاجها هذه الخلايا، ويخلق من وجهة نظر علاجية فرصة لإنتاج خلايا الدم الحمراء من خلايا جلد المريض، فهناك حالياً نقص في المتبرعين بالدم للمرضى المصابين بأمراض فقر الدم على سبيل المثال.
يوضح "يوهان فليغار" ذلك بقوله: "تعني شيخوخة السكان المزيد من عمليات نقل الدم في المستقبل، كما سيكون هناك عدد متزايد من الأشخاص القادمين من بلدان أخرى مع أنواع دم نادرة، مما يعني أنّه لن تتوافر لنا كميّة الدماء اللازمة لتقديمها".
تُعتبر خلايا الدم الحمراء هي الخلايا الأكثر شيوعاً في جسم الإنسان، وهي ضرورية من أجل نقل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. يعاني الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم من فقر الدم، وهو حالة لا يملك فيها المريض كمية كافية من خلايا الدم الحمراء. يُعدّ المرضى الذين يعانون من فقر الدم المزمن من بين الحالات الأكثر خطورة، فهم يتلقون عمليات نقل دم منتظمة من جهات مانحة مختلفة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تطوير المريض لرد فعل على الدم الجديد المنقول له، وقد تتطوّر الحالة لتصبح حساسية لهذا الدمّ. يساعد العثور على طريقة إنتاج الدم من خلايا الجلد الخاصة بالمريض في التخفيف عن هؤلاء المرضى، إلّا أن هناك حاجة لإجراء مزيد من الدراسات حول كيفية أداء هذا الدمّ في الكائنات الحيّة.
المصدر