.jpg)
Credit: Ill. Niklas Elmehed. © Nobel Prize Outreach
منذ أن سطّر ألفريد نوبل وصيّته في أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت جائزة نوبل مرادفًا لأسمى مراتب التقدير العلمي والإنساني في العالم. لقد وُلدت الفكرة من إحساسٍ عميقٍ بالمسؤولية تجاه الإنسانية، إذ أراد مخترع الديناميت أن يكفّر عن الأثر التدميري لاختراعه عبر جائزةٍ تخلّد أولئك الذين يسعون لخدمة الإنسان في مجالات العلم والسلام والأدب. ومنذ عام 1901، حين مُنحت الجائزة للمرة الأولى، غدت نوبل رمزًا عالميًا للعبقرية والإبداع، ومقياسًا لمدى ما يُحدثه العلم من تحوّلٍ في فهم الإنسان للعالم، وما يُسهم به في تحسين نوعية الحياة اليومية للبشر.
وفي كل عامٍ تتوجّه الأنظار إلى ستوكهولم وأوسلو حيث يُعلن عن أسماء الفائزين في مجالات الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام والاقتصاد. غير أن ما يميز جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء هو أنها تتجاوز أسوار المختبرات لتلامس حياة الإنسان مباشرة، فهي لا تكرّم اكتشافًا علميًّا فحسب، بل تحتفي بما يحدثه الاكتشاف من نقلةٍ جوهريةٍ في فهم طبيعة الجسد الإنساني أو في سبل علاجه من الأمراض التي طالما استعصت على الأطباء. لقد شهد تاريخ الجائزة محطاتٍ فارقةً أعادت تشكيل ملامح الطب الحديث؛ من اكتشاف البنسلين والأنسولين إلى تحديد البنية الجزيئية للحمض النووي، وصولًا إلى الثورات المعاصرة في علم المناعة وعلاج السرطان.
وفي عام 2025 أضافت لجنة نوبل فصلًا جديدًا إلى هذا التاريخ المجيد، إذ منحت جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماءٍ أسهموا في كشف أسرار "التسامح المناعي المحيطي" — تلك الآلية الدقيقة التي تحفظ توازن جهاز المناعة بين الدفاع عن الجسم ومنع مهاجمة أنسجته الذاتية. كان هذا الاكتشاف ثمرة عقودٍ من البحث والتجريب، ومثّل تحوّلًا جذريًّا في فهم الطب الحديث لأصل الأمراض المناعية الذاتية. وقد جاء هذا الإنجاز تتويجًا لأعمال فريد رامزدل وشيمون ساكاجوتشي وماري برونكاو الذين كُرِّموا على إسهامهم في حل أحد أكثر ألغاز جهاز المناعة تعقيدًا، وهو كيف يستطيع هذا النظام المعقّد أن يدافع عن الجسم ضد الفيروسات والبكتيريا والخلايا السرطانية من غير أن ينقلب على نفسه ويدمّر خلاياه السليمة.